لتحميل الكتاب أضغط هنا
- من متن الكتاب
الإنسان ووعيه
للوعي حالات تشكل أحوال الوجود الإنساني. فهناك وعي منحط
هو الغارق في توافه الحياة اليومية، وهناك وعي مرضي إيجابي يتمثل في الغرام ومشاغله،
وجمع الأشياء والمال، وهوس الكرة إلخ.. ثم هناك وعي مرضي سلبي يتمثل في الرعب،
والمخاوف، وأشكال الاضطرابات النفسية بما فيها الحقد والقتل والرغبة في التسلط.
وهناك الوعي المرتفع الذي يتمثل في حالات الانشغال بالكشف العلمي، أو الإنجاز
العملي لمشروع بناء، وكذا الانشغال بالكشوف الروحية والشعر والأدب الرفيع. وهذا
الوعي المرتفع قد يبلغ في أعلى مراحله ما يشبه الوجد الصوفي. وهناك أخيرا الوعي
الأعلى الذي يوصل الإنسان إلى القبض على المعنى، معنى الوجود الأصيل، وهو أشبه
بالكشف الصوفي أو هو ذاته.
وقد رأى الإغريق قد يما (أن البديل الخلاق للعالم
الحقيقي المشوش هو عالم الأفكار).
وآمن الفيلسوف هيدجر أن هذا البديل هو مملكة الشعر
والروح، وان السبب الأساسي للانحطاط والتدهور هو نسيان معنى الوجود. وقد اهتم
العالم والفيلسوف باسكال بشرح الوجود غير الأصيل والطريقة التي يهدر بها الناس
حياتهم بالتسكع في الملاهي والثرثرة في السخافات. ولعل نفس الرؤية هي التي حملت
المفكر ابن قيم الجوزية على القول "الناس عالم ومتعلم وما سواهما حشو يضيقون
الطرقات ويغلون الاسعار".
وهو ما كرره هيدجر بقوله "الشعراء والفنانون
والمكتشفون والمصلحون خارجون عن القاعدة المكونة من الخضروات" ومعلوم أن وصف
الخضروات يطلق على المصابين بالشلل التام أو الغيبوبة.
وقد قال أبو الغيث بن جميل الصوفي اليمني الكبير: "
من كان همه ما يدخل فقيمته ما يخرج". ويرى كثير من الفلاسفة أن حالة الوعي هي
ما يشكل الهوية الشخصية ومن ثم حالة الوجود الإنساني.
ويقول سارتر
" الناس وجودهم لذاتهم لأن الوعي موجود لذاته، ولكن هناك من هو كائن لغيره
لان تقديره لنفسه يأتي مما يظنه الآخرون فيه"
يدرك الوعي الأشياء عبر الحواس موسطا الانتباه. وكانت
ظاهرية هوسرل، أو علم الظواهر الطبيعية، دراسة للطريقة التي يدرك بها الوعي
الأشياء. فنحن نلتقط من مشهد ما الإطار العام والعلاقات بين مكوناته، ولكننا لن
نتذكر كل شيء بل بعض الأشياء وتلك هي القصدية في عمل الوعي.
وعندما يكون لدى
الشخص موقف مسبق أو شك حول أمر ما فإنه يبحث عما يؤيد شكوكه. وفي حوار بين
الفيلسوفين فيخته وكنت سأل فخته (أيمكن للعقل أن يخلق العالم (صورة خاصة به
للعالم) دون أن يعلم انه يفعل ذلك؟ وكان الجواب: نعم يخلق العالم ويدرك انه يفعل ،
إنها القصدية ". فعمل القصدية هو غالبا الإقصاء. ومن هنا تتضح أهمية منهج
البحث العلمي اللامتحيز.
وهناك تيار يرى
أن المعرفة كامنة في الوعي، وذلك منذ سقراط الذي أبان أن محاوره العبد يعرف كل
بديهيات الهندسة. وجاء بعده محي الدين بن عربي الذي تحدث عن عوالم الخيال الثلاثة:
الخيال المطلق، و الخيال المنفصل ويليه الخيال المتصل الذي يربط بين الروح البشرية
والجسد البشري. وان الخيالان الأولان تابعان للمصدر الإلهي الخلاق، وقال أن الخيال
المتصل الذي يخص الروح الإنسانية ومقدرتها التخيلية تابع يعتمد في وجوده على
الخيال المنفصل الذي هو العلة الأولى لوجود كل الصور. وأن مقدرة الإنسان على
التلقي تتعلق بمقدار صفاء مرآة قلبه من الران حيث هي مجلى الحق. أما الدوس هيكسلي
فقد رأى أن أي شخص يستطيع أدراك كل شي يحدث في أي مكان في الكون لأنه جزء من عقل
مطلق.
تعليقات
إرسال تعليق